English / عربي
⟪وسائل مفتوحة⟫
بقلم هيباتيا فورلوميس
من الصعب ضمان نتيجة ثابتة للتعلّم، لأن ما يفترض أن يكون موضوع التعلّم وممارسته ليسا حتميّان. يتوجب على المرء التيقن بأن كل المعنيين في العمليات التعليمية أو التطويرية، سواء تجريبية أم أدائية هم منخرطون بأساليب معرفية مميزة لا يُمكن تكرارها. لذلك فإن محاولات انكار أو حتى تحديد حركة المعرفة الدائمة (في العقل والجسد) عبر أفعال خطابية ومؤسساتية ما هي إلا عمليات تجويف المعرفة من جوهرها. إذن تصبح الأسئلة: ماذا نرغب في أن نتعلم معًا؟ وكيف يمكن للأسلوب أن يثري كل من المحتوى ووسائل التعلّم؟
للتوضيح، عندما أتكلم عن التعلّم لا أقصد الفعالية التي تحصل في الإطارات التعليمية المؤسساتيّة فحسب، (أتبع ستيافنو هارني وفريد موتن اللذان يصرّان على أن أخر ما نفعله في الجامعة هو التعلّم)، بل أقصد المعرفة المتواجدة في أماكن العمل وفي مساحات مختلفة، ومشاهد طبيعية، وتجليّات جمالية ونظرية لا تُحصى، وفي الصراعات الاجتماعية والثقافية وحتى في الاحتفالات. لهذا، ربما يكون أحد أساليب التعلم الجماعي هو الإيمان بأن العالم ليس مضمونًا لأن منظورنا للعالم يستوعب تفسيرات مختلفة ومتغيرة
كطالبة في تعلّم مستمر، أومن بجدية أن العالم غير مؤكد، وأنه يمكن تغيير الطرق التي نفهمه عبرها بشكل جذري، وأن هذا التغيير يحدث بالتعلّم . كما قال ديفيد غريبر: "حقيقة العالم المطلقة والخفيّة هي أنه شيء علينا خلقه، ويمكن بسهولة إعادة خلقه بطريقة مختلفة." يجب أن تبقى أساليب ومواضيع فعل الخلق هذه مفتوحة أمام التغيير والمفاجآت واللامتوقع في ظل اختفائها وظهورها من جديد. ببساطة، فإن التعلم على أنه خلق هو ارتجال، يعني فيها التعلّم الجمعيّ اختبار الصراع والتجريب، ولا يُفهم الارتجال فيها على أنه حرية سلِسة ومُفترضة، بل كمفاوضة دائمة ومقيّدة كما يخبرنا دانيل غولدمان
الممارسات الارتجالية ضمن قيود هي بحد ذاتها أساليب مفتوحة، تتيح إمكانيات جديدة. تستلزم استجابة فطنة للاختلافات المتغيّرة، وفي الوقت نفسه، انسجامًا مع تجدد وتشعب الأشياء. كما تأخذ تجسيد اللقاءات الجمالية والاجتماعية والصُدف والتزامنات بجدية لأنها تتجاوز المُعطى بضبابية وتعيد مُعايرته. وتتطلب الإلمام بالمحادثات الراهنة والتي تحصل قبل أي لقاء فعلي مع آخرين، وتنحرف عن المسار حسب القيود والصراعات والاختلافات الناشئة والتغيّر الدائم في العقول والتجسيدات والفضاءات والحركات. يتكشف هذا الأسلوب المفتوح للدراسة إذا وافق المشاركون طوعًا على استكشافه معًا، ليس كخضوع لأغلبية أو سلطة محددة مسبقًا، بل لأن للأسلوب المفتوح صلة بتاريخهم الفردي والجمعي، وبتجاربهم وممارسات التعلّم المستمرة. إذن، لا مكان هنا لأجندات راسخة أو لتحقيق برامج متصلبة أو لاستغلال الآخرين لغاية محددة
التعلّم هو وسيلة بدون غاية. الوسيلة المفتوحة لا يُمكن تعليمها. ما سيكون لدينا دائمًا هو معرفة كيف نخلق التعلّم ونحققه معًا: البقاء مع المواد والأساليب، البقاء في الأداء كمسيرة. البقاء في هذه الوسائل هو الإقبال على التغيرات المنهجية والطرق المجهولة. قد تكون احتمالات مخاطرة كهذه لا نهائية، وقد تؤدي إلى أي شيء يتراوح بين صدفة سحرية و فشل ذريع. التعلم من كوننا معًا، وكيف كنّا دومًا معًا، هو تشابك وسيلة الدراسة وغايتها. لكي يتكشف هذا "الوجود معًا"، لا نحتاج إلى المعرفة والخبرة بل إلى حكمة الشجاعة الفطرية وإلى الكرم والإصغاء والثقة والخيال وإلى "عبقرية الرعاية" كما كتب ويلسون هاريس في كتابه "التدريب الأزلي". الدراسة هي تدريب أزلي لا يمكن التوفيق بينه وبين اللامبالاة، وفيها تكون الذات الجماعية في تدريب دائم
إن الوسائل المفتوحة ترسم خطوطاً واضحة: إذا اعتمد وجود شخص ما على ظلم آخر، فإن العنف المستمر لحدود المعرفة المادية هو الضمان الوحيد والقاسي
أن تتعلم هو أن تحب التعلّم. يمكن للفرد أن يتعلم فقط إذا كان راغبًا في تعلّم خسارة نفس جامدة. أن تحب التعلّم هو الاعتراف بالاختلاف الذي يتم تقديره خارج مطالب الإغلاقات الشفافة والتأويلات والتقييمات. إن التحليلات السياسية للتقاطعات التاريخية والمتباينة جغرافيا والمتشابكة للقوى الاقتصادية والظلم الاجتماعي هي ضرورية، وتتطلب الاجتهاد في المسح والتعقيد والتتبع والنقل. علينا الاستمرار بالقراءة والتخيّل والنقد والمقاومة على قدر المستطاع. وعلينا أن نشكك في الفكر دومًا. ولكن، لا يمكن تعليم التضامن. يمكننا أن نتعلم كيفية التضامن لا ماهيته، أو أثره علينا. الوسيلة المفتوحة هي فن حمل الأشياء. هي أن نتلمس طريقًا في الظلمة معًا