English / عربي
أجلس محاطة بهواءٍ شفّاف في مبنى قديم في شارع عثمان بن عفان في جبل عمان. قضيت الأسابيع الماضية أدور في دائرة، أمشي وأتحرك فأقرأ وأكتب ثم أعاود الحركة. هذه الأفعال محبوكة بالسكون، وهناك، في الحواشي، في أعماق الظلمة، يطّل عليّ شعور بالاختلاف. شيء ما معروف وكامن في الجسد؛ يدفع بالشخص إلى الشعور والتصرف بطريقة مختلفة. يا تُرى هل يُمكن لوصفي لحالتي هذه أن تقربني من قارئي؟ أمضيت العديد من استراحات شرب القهوة محاولة التعبير عمّا يعنيه التواجد في مكان يتيح اللقاء ببشر ومخلوقات أخرى، والتعبير عن شعور التواجد في مكان يعيش في حضرة نظام متداعٍ. كما إنّي لأتساءل عمّا يتيح التعبير عن التجارب الجسدية؟
في محاولتي للبحث أكثر من الإدلاء بتصريحات، يتراوح مساري بين القيام بنشاط بدنيّ وإيجاد طريقة لترك آثار للأحاسيس الجسدية والتأملات الفكرية المصاحبة. أحاول البدء وأنا خاوية الوِفاض، بدون تخطيط واضح لكيف سيتكشّف الأمر. في مكان أكون فيه واعية كليًا للشيء الذي في متناول اليد ولكن في نفس الوقت، ليست لدي أي فكرة واضحة عمّا سيتكشّف.. غارقة في فضاء تفتح فيه الصور والكلمات والروائح مسارات عديدة. في ثنايا الكلمات والجُمل، لا أعرف أين أنا، أجد نفسي أكتب في اتجاه مختلف. يمكنني الإحساس بجلدي وعضلاتي وعظام جسدي وأنا أطبع الكلمات. أتسلل إلى أرض لا أعرفها، شيء نصف مخفيّ يوّد أن يُكشف. في النهاية، هناك مسحة من الألفة
لا أعتقد أن التجارب الجسديّة مُعتقة من أثر اللغة. فالتجارب تكتسب إيقاعاتها المختلفة حسب الكلمات التي تصفها (والصمت الواقع بين السطور). رغم كل هذا، أكتب بلغة غريبة عنّي، صداها يختلف عن صدى لغتي الأم. ربما يمنح الحيّز الهوائي بين الكلمات ومعانيها مسافة ضرورية للرؤية... كيف يمكن للكلمات ألّا تخون التجارب؟ هل يمكنها أن تُقيم كبقايا أو كانقطاع في جوف التجارب؟
ألاحظ وجود لعب مستمر بين الكلمات؛ تظهر وتختبئ وتختفي
ونحن نُقبل على هذا المشروع، نتساءل: ماذا يحصل للمعرفة الكامنة في وحول الأجساد (والمواقع) عندما تفقد أهميتها؟ كيف يمكن أن نفكر في التعلّم خارج هياكله المحددة مسبقًا؟ نعتقد أن "التعلّم" يحصل عندما نواجه تجربة مباشرة في الحياة أو عندما نرحب بعدم اليقين والضبابية. يقترن التعلّم بإدراكنا لأنفسنا ليس كأشخاص مستقلين أو متشابكين، بل كلاهما بطريقة غير جدلية
نحاول تخيّل سرديّات مضادة وفضاءات للمقاومة البدنية والاجتماعية والسياسية. نفكر فيما يمكن أن يدعم الانتقال إلى إطار تعلّم يرفض إعادة انتاج أنماط رأسمالية وقمعية ومهيمنة واستخراجية. يقول البعض أن الفرد بحاجة إلى أن يتحرر من رواسب التعليم ليتعلّم. ويعتقد آخرون أن ما عرفناه مرة ونسيناه، يجب استرجاعه
إذن، نقطة بدءنا هي استشفاف الطبقات المتعددة للإحساس والاستدلال والمعرفة. بدلًا من اختيار مسبق لبنية تعلّم تخبرنا عن الطريقة الصحيحة لمواجهة التناقضات، نركز على توليد طاقة للتحرك معًا بطريقة مختلفة. يتعلّق الأمر بالإصغاء بدون تقديم أفكارنا عن الغايات والوسائل. من خلال البدء بدون خطوات مرسومة، نحن على ثقة بأننا نقترب من شيء جوهري. في بداياته يكون صامتاً خفيّا، ولكنه يحصل على نسج جديد ولو بعد حين
يحتوي هذا المنشور على مجموعة من الأفكار واللقاءات والتأملات التي تم اختبارها وتجربتها بشكل جماعيّ. نحاول اتبّاع طرقٍ جسدية وحسية وشخصيّة لإيجاد المعرفة، أو لنسمح لها بأن تجدنا. بمجرد القيام بذلك، نسمح لها بالكشف عن الهُموم اليومية السياسية والاجتماعية. ثم نبحث عن تأويلات جديدة موضوعة في سياق الأماكن التي نعيش بها أو نبعد عنها. المكان الذي نعمل فيه ولا نعيش